مرة أخري تقرر الولايات المتحدة الأمريكية طبع المزيدمن النقود فها هي600 بليون دولار أخري تقرر طباعتها بالاضافة الي1.7تريليلون منذ ديسمبر2008, وهذا الاجراء يتم عن طريق شراء أوراق ماليةحكومية وشبه حكومية وبالتالي ضخ سيولة لدي البنوك بما يمكنها من الاقراضبأسعار منخفضة.
ولكندعنا نعود قليلا الي الوراء لنري ما الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكيةتلجأ لهذا الخيار, ففي موجات الركود التقليدية تشكل نسبة فوائد الاقراضالمنخفضة دافعا للمستهلكين للاقتراض من البنوك والتوجه للمزيد منالمشتريات, وفي نفس الوقت زيادة حجم الاستثمارات بإتاحة فرص الاقتراضبأسعار منخفضة لدي الشركات والمؤسسات, وكلا العاملين يعمل علي رفع نسبةالنمو الاقتصادي, وبالتالي خفض نسب البطالة, ذلك بالنسبة لاقتصاديعتمد علي ماينفقه المستهلكون في70% من حجم الدخل القومي الأمريكي.
ولكن حالة الركود التي نحن بصددها مختلفة تماما فهي تتصل بالهيكلالاقتصادي بشكل عام ورغم ان الاحصائيات الآتية من الولايات المتحدةالأمريكية تشير الي بعض التقدم الا انه لم يظهر أي تأثير ملحوظ علي نسبةالبطالة التي مازالت تدور حول9.5%, ورغم انخفاض أسعار الفائدة الينحو0% الا ان المستهلكين غير مؤهلين لزيادة انفاقهم كما أن الشركات لمتتجه بعد الي زيادة حجم استثماراتها, وبالتالي اتاحة فرص عمل جديدة,طالما ان المستهلكين لم يتوجهوا بعد الي زيادة الانفاق.
والولايات المتحدة الآن في دورة جديدة من التيسيرات النقدية الضخمةباعتباره الخيار الوحيد أمامها لتنشيط الانفاق, ويثار السؤال هنا عماتفعله السيولة للاقتصاد الأمريكي أو للاقتصادات الأخري؟ فأصبح من المشكوكفيه في الوقت الحالي ان تشكل القروض ذات الفائدة المنخفضة دافعاللمستهلكين للاقتراضي ولمزيد من الانفاق, ولكن اغراق العالم بهذه النقودسيؤدي حتما الي خفض سعر صرف الدولار الأمريكي بما يعطي صادرات الولاياتالمتحدة المزيد من القدرة التنافسية لرخص قيمتها في الأسواق العالمية فإنكانت هذه السيولة عاجزة عن زيادة الطلب علي السلع في السوق الأمريكية فهيستؤدي الي زيادة الطلب علي السلع الأمريكية في الأسواق الخارجية بما يؤديالي خلق فرص عمل جديدة في الداخل الأمريكي.
والآن ماذا عن تداعيات هذه الاجراءات علي الاقتصاديات الأخري ومن بينها الاقتصاد المصري:
لقد وضعت هذه التيسيرات النقدية الأمريكية الضخمة الاقتصاديات الأخري ومنبينها الاقتصاد المصري في مأزق, فمن المحتم أن تؤثر سلبيا علي قدرةالدول علي إحكام السيطرة علي سياساتها النقدية, فعلي سبيل المثال ستؤديلرفع قيمة اليورو أمام الدولار بما يؤثر سلبا علي الميزة التنافسيةللصادرات الأوروبية, أما بالنسبة للاقتصاديات الناشئة, فالسيولة التيأنتجتها هذه التيسيرات ستتوجه في معظمها الي شراء أذون الخزانة,فالمستثمرون الذين حصلوا علي أموال بفائدة تقترب من الصفر يبحثون عن ظروفاستثمارية تتيح أسعار فائدة أعلي في فترة زمنية قصيرة, وفي معظم الحالاتيتجهون الي أذون الخزانة ذات الثلاثة أشهر والفوائد المتغيرة والتي تدورفي مصر حول8% وهذا الوضع يعني أن المستثمرين الأجانب يمكنهم الدخول اليالسوق المصرية والخروج منها بعد90 يوما بأقل قدر من المخاطرة, ولكنهذه الدورة تخلق طلبا عاليا ومفاجئا علي الجنيه المصري بما يرفع قيمته.
والبنك المركزي المصري في تعامله مع معدلات التضخم العالية لا يستطيع أنيقوم برفع سعر الفائدة لمواجهة مخاطر ارتفاع نسبة التضخم نتيجة لزيادةالتدفقات المالية الجديدة, وليس في صالحه ايضا ان ترتفع قيمة الجنيهالمصري أمام الدولار, لأن ذلك سيؤثر سلبا علي الصادرات المصرية ويؤديالي زيادة حجم الواردات ملحقا المزيد من الضرر بالميزان التجاري.
الإجراء الوحيد الذي يمكن اتخاذه بل من واجبنا ان نفعله كما اتجهت العديدمن اقتصاديات أمريكا اللاتينية الصاعدة هو فرض ضرائب سيادية لكبح تدفقاتهذه الأموال الساخنة الي داخل البلاد, فالبرازيل علي سبيل المثالفرضت15% كضريبة حماية علي الأرباح الرأسمالية وفوائد المدفوعات عليالأوراق المالية الحكومية وشبه الحكومية كوسيلة لخفض هذه التدفقات, كماتعتزم كوريا الجنوبية اتخاذ نفس الاجراء.
علي مصر ان تسلك نفس الطريق.. بفرض ضريبة مؤقتة اضافية تبلغ10% عليسبيل المثال تفرض علي أذون الخزانة الأقل من9 شهور بالاضافة الي الضريبةالحالية.
هذه الضريبة ستؤدي الي ترشيد التدفقات المالية الكبيرة قصيرة الآجل والتيلاتتفق في الأساس مع السياسة النقدية للدولة, وفي حالة استمرار هذهالتدفقات لاشك ان فرض هذه الضريبة الأرباح سيحقق موردا ضريبيا جديداللحكومة هي في أشد الحاجة إليه.