العــادة والعبـادة
يقول الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)[ آل عمران:102], وهي تعد أعظم آية في القرآن من حيث العمل, فكيف لا نموت إلا ونحن علي الإسلام ونحن لا ندري متي نموت؟ فهذا معناه أن الإنسان يظل في ذكر الله سبحانه وتعالي علي الدوام حتي إذا ما جاءه الموت وجده علي الإسلام, وكأن الآية تطالبنا بألا نغفل عنه سبحانه وتعالي طرفة عين ولا أقل من ذلك, فتكون بذلك أعظم آية من حيث العمل, نسأل الله أن يخفف عنا لقصورنا وتقصيرنا وما جبلنا عليه من نسيان وغفلة
وإذا ما تأملنا في هذه الآية الكريمة, وجدناها وكأنها تأمرنا بأن نحول العادات إلي عبادات, والحاصل في حياتنا أن الإنسان إذا ما أكثر من عمل ما يألف هذا العمل, فيتطرق هذا إلي أمور العبادة, فتتحول عنده إلي عادة, فتراه يصلي وينسي في صلاته, وتراه يذكر بلسانه وذهنه شارد في أمور أخري, لأن العبادة تحولت عنده إلي عادة. وهذا التحول أول الفساد في الأمم, لأن العبادة حينئذ لا تؤدي وظيفتها التي أرادها الله سبحانه وتعالي لها فيقول الله تعالي
اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)[ العنكبوت:45], فنري المصلي لا تنهاه صلاة لا عن فحشاء ولا عن منكر, لهذا السبب
وفي هذه الآية العظيمة يأمرنا ربنا سبحانه وتعالي بمقاومة أنفسنا, لا في أن نؤدي العبادة علي وجهها وحسب بل أيضا أن نحول العادات إلي عبادات, وقد تميز السلف الصالح والصحابة الكرم بأنهم استطاعوا أن يحولوا العادات إلي عبادات, وذلك لما قدموا في أنفسهم قول الرسول المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوي( متفق عليه), فحلوا نياتهم جميعا لله سبحانه وتعالي في حلهم وترحالهم, في قولهم وسكوتهم, في تركهم وفعلهم حتي صاروا عبادا ربانيين اذا ما مدوا أيديهم الي السماء ودعوا الله عز وجل, استجاب لهم, فهل يمكن أن نهييء أنفسنا للربانية, وأن نتقي الله حق تقاته, وأن ننقل أنفسنا بإذنه من دائرة سخطه إلي دائرة رضاه, وأن نحول عباداتنا الي إخلاص لرب العالمين وأن ننقل عاداتنا إلي دائرة العبادة له سبحانه وحده؟
إن ذلك يحتاج إلي قرار من أنفسنا نبيع به هذه النفس لله سبحانه وتعالي, فنجعل الدنيا في أيدينا ونخرجها من قلوبنا, ونبدأ صفحة جديدة معه سبحانه فنتوب ونندم علي ذنوبنا ونعزم علي عدم تكرارها, ونقلد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حياته ونجعله القدوة والاسوة الحسنة في حياتنا. فقد كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم أحسن الناس خلقا وأكرمهم وأتقاهم. قال ابن كثير في تفسيره واصفا خلقه صلي الله عليه وسلم: إنه صلي الله عليه وآله وسلم صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له وخلقا.. فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه, هذا ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل. فلنجعل لأنفسنا حصة من القرآن كل يوم قلت أو كثرت ولا تقطع نفسك عن كلام الله
برنامج واضح ويسير علي من يسره الله عليه, والله سبحانه وتعالي لا يريد ظلما للعالمين, كما كتب ذلك علي نفسه وجعل رحمته تسبق غضبه, فأمرنا وأرشدنا ووجهنا لما فيه الخير لأنفسنا, يقول تعالي
قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون)[ المؤمنون:1-3], واللغو منه مباح ومنه مكروه ومنه حرام, ولكن المؤمن قد أعرض عن اللغو كله, ونقل ما يفعله من أكل وشرب ولبس وسعي وذهاب ومجئ: بالنية الصالحة- لله رب العالمين وحده
هلا دربنا أنفسنا فيما تبقي لنا من زمن حتي نستقبل نفحات الله في أيام دهرنا والله عنا راض, هلا فعلنا ذلك فنجد في أنفسنا حلاوة الإيمان وحلاوة العبادة وحلاوة الذكر, ومن جرب حلاوة الايمان لا يتركها أبدا, وهكذا شأن الايمان اذا دخل القلب وداعبت حلاوته القلوب فإنه يزداد ولا ينقص, فهلا فعلنا ذلك حتي نغير من عقائدنا وأحوالنا مع أنفسنا لله وأن نفعل ذلك ابتغاء وجه الله
ولنتأمل قوله سبحانه وتعالي
واعتصموا بحبل الله جميعا) وحبل الله هو القرآن( ولا تفرقوا وأذكروا نعمت الله عليكم إذ كنت أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا يكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين أسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين أبيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين) [آل عمران:103-108]
موضوع: العــادة والعبـادة 
